• «السيولة الدولارية» تزيد أزمة المصارف الأوروبية تعقيدا

    26/12/2011

    محلل اقتصادي: الضغوط على فوائد السندات في «اليورو» ستخف .. لكن ذلك لا يعني انتهاء الديون السيادية «السيولة الدولارية» تزيد أزمة المصارف الأوروبية تعقيدا

     



     
     
    أعرب 81 في المائة من الفرنسيين عن تشاؤمهم بالمستقبل الاقتصادي، جاعلين من بلدهم يحتل المرتبة الأولى قبل الإيرلنديين، الذين عانوا ويعانون الأمرين في أزمة الرهون لسيادية والسياسة التقشفية التي تمارسها الحكومة الواقعة تحت وصاية صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية.

    هذا ما أظهرته دراسة أجريت في 51 بلدا، وتتخوف أكثرية الفرنسيين (73في المائة) من النتائج الاقتصادية للتخفيض الائتماني لبلادهم.
    وعلى غرار تشاؤم الفرنسيين العاديين فإن أكثرية الخبراء الاقتصاديين بدورهم ينظرون إلى العام المقبل نظرة تشاؤمية، وذلك بالرغم من الضربة الكبيرة التي حققها المصرف المركزي الأوروبي في مطلع الأسبوع من خلال سماحه لأول مرة بإقراض المصارف مئات المليارات من الدولارات لمدة ثلاث سنوات بفائدة 1 في المائة.
    واعتبر عديد من الخبراء أن المصارف الكبرى لن تقدم على شراء سندات الخزانة العام المقبل بالرغم من حصولها على السيولة الكبيرة، من خلال قروض المصرف المركزي الأوروبي، ما أبقى الضغوط على فوائد سنوات الزانة الإيطالية والإسبانية، وهذا ما عبر عنه خبراء مصارف مورجان ستانلي وسيتي وآي إن جي.
    وفي رأي هؤلاء فإن المصارف الـ 523، التي استدانت 489 مليار يورو، ستتمكن على حل أزمة الثقة بالمصارف وبالتالي مشكلة القروض بين بعضها البعض، وبالتالي مشكلة الفوائد بين المصارف التي كانت عالية ومتوترة نتيجة أزمة الثقة.
    ويقول ستيفان دييو في مصرف يو بي إس UBS السويسري إن خطوة المصرف المركزي الأوروبي حلت مشكلة السيولة لدى المصارف ولكنها لا تحل مشكلة الديون السيادية، ولذلك فإن الأسواق غير متفائلة، ويذهب مارتن فان فيليت من مصرف ING آي إن جي إلى حد توقع إقدام المصارف الصغيرة في أوروبا على شراء سندات الخزانة في بلادها مع آفاق في الربح تراوح نسبته بين 5 و6 في المائة، فهذه المصارف استدانت بنسبة 1 في المائة، وهي ستشتري الديون السيادية بفوائد تراوح بين 6 و7 في المائة. وفي هذا المجال يقول أحد الخبراء الاقتصاديين إن أجمل العمليات وأكثرها وعدا بالربح تحمل المخاطر، ولذلك فإن المصارف الكبرى ليست في حاجة إلى هذا النوع من المخاطر بعد أن أشبعت ودائعها بالديون السيادية.
    وإذا كان عديد من الخبراء يعربون عن اعتقادهم أن المصارف الكبرى لن تقدم على شراء الديون السيادية في منطقة اليورو وتعرض نفسها لاحتمالات الإفلاس، فإن البعض الآخر يطرح التساؤلات عما إذا كانت هذه المصارف ستقدم على شراء الديون العقارية، خاصة أن أزمة الديون السيادية ستطل من جديد الشهر المقبل مهددة بإعصار جديد. فمن المتوقع أن يشهد مطلع العام مفاوضات ماراثونية جديدة بين صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والمستثمرين والسلطات اليونانية للإنفاق على إعادة جدولة سندات الخزانة اليونانية، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فإن برنامج المساعدات لبلاد الإغريق للسنوات الثلاث المقبلة لن يدخل حيز التنفيذ وستكون اليونان في آذار (مارس) المقبل غير قادرة على سداد ديونها وهذه الديون تهدد بإعصار جديد.
    إلا أن بعض الخبراء وهم أقلية يعتبر أن المصرف المركزي الأوروبي يريد مساعدة الدول في منطقة اليورو، التي تتعرض ديونها السيادية للضغوط من خلال ارتفاع الفوائد على سندات خزانتها ومنها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، ولذلك فإنه خلافا على عادته، حيث كان يقرض المصارف بفوائد منخفضة لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، أقدم هذه المرة على إقراض المصارف نحو 500 مليار يورو لمدة ثلاث سنوات لكي تشتري العام المقبل سندات الخزانة في منطقة اليورو، وهكذا فإنه لا يتدخل مباشرة بل من خلال المصارف.
    الدكتور شبل السبع الخبير الاقتصادي واحد من هؤلاء. ويقول لـ ''الاقتصادية'' إن المصارف في منطقة اليورو لا تعاني ضعف السيولة. إذ يوجد لديها عند المصرف المركزي الأوروبي 300 مليار يورو. وهي تعاني أزمة السيولة بالدولار وليس باليورو.
    ويعرب الدكتور السبع عن اعتقاده أنه أمام صعوبة تدخل المصرف المركزي الأوروبي لشراء سندات خزانة دول منطقة اليورو بسبب غياب القوانين التي تحكم ذلك فإن المصرف لجأ لعملية إقراض المصارف هذا المبلغ الكبير كي تشتري سندات الخزانة.
    ويضيف الدكتور السبع أن المصارف ستكون مجبرة على شراء سندات الخزانة السيادية لأن الحكومات في هذه الدول ستضغط عليها للقيام بذلك.
    فالمصارف الأمريكية تشتري سندات الخزانة الأمريكية والفائدة على دولار تقارب الصفر والمصارف البريطانية تشتري سندات الخزانة البريطانية بفائدة 2 في المائة، بينما نسبة التضخم في بريطانيا تبلغ 5 في المائة، وهذا يعني أن المصارف البريطانية تشتري الديون السيادية لبلادها بخسارة لأن حكومة جلالة الملكة تجبرها على ذلك.
    ويتوقع أستاذ الاقتصاد في جامعة السوربون أن تؤدي عملية المصرف المركزي الأوروبي إلى تخفيض الفوائد على سندات الخزانة في دول منطقة اليورو بنسبة ضعيفة في مطلع العام المقبل وفي الوقت ذاته أن تؤدي إلى ارتفاع الفوائد في منطقة اليورو. لأن المصرف المركزي الأوروبي قد ضخ 489 مليار يورو أي أنه طبع هذه الأوراق. الأمر الذي سيتسبب في التضخم وبالتالي ارتفاع الفوائد على اليورو وليس على سندات الخزانة. وهذه المسألة أقل خطورة من ارتفاع الفوائد على سندات الخزانة، كما يتوقع الدكتور السبع إلى أن تؤدي خطوة المصرف المركزي الأوروبي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل اليورو قليلا.
    ويختم قائلا إن الضغوط على الفوائد على سندات الخزانة في منطقة اليورو ستخف من دون أن يعني ذلك انتهاء أزمة الديون السيادية.
    يبقى أن نشير إلى أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يسارع لمطالبة المصارف التي استدانت من المصرف المركزي الأوروبي بفائدة 1 في المائة ولمدة ثلاث سنوات بشراء سندات الخزانة لدول منطقة اليورو.
    وليس ساركوزي وحده من طلب ذلك، بل إن المسؤولين الأوروبيين في منطقة اليورو أعربوا عن أملهم أن تقدم المصارف الأوروبية ليس فقط على سد احتياجاتها في السيولة بل أن تدعم منطقة اليورو من خلال شراء سندات خزانة دولها.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية